تخيلوا لو أن عاقلاً قام بسكب القهوة الساخنة على نفسه . سيُوبَّخ بشدة كونه يعقل ما يفعل حتى لو كان على علم بعواقب ما يفعل.
أما إذا قام المجنون بنفس الفعل فإننا لا نلومه أبداً لأنه من الطبيعي أن يقوم بشيء كهذا، بل من غير الطبيعي أن يتصرف المجنون بعقلانية !
حتى أننا نعتقد أنه أشد جنوناً من غيره إذا تصرف تصرفاً عاقلاً! لأننا نتوقع أنه سيفسد الأمر أو ينكر حدوثه في أي وقت.
مثلاً: إذا تحدثنا مع مجنون نعرفه مسبقاً و تحدثنا معه مرات عدة، ثم في هذه المرة كان يتكلم بطريقة مثيرة للاهتمام أكثر. يبدو واعياً لما يحدث و هو يسرد أحداث حصلت فعلاً.
على عكس المرات السابقة التي كان يأخذنا فيها إلى عالمه ، و نعتقد وقتها بثبوت جنونيته. إلا أنه هذه المرة يبدو أقرب للعقلانية، قد نفرح لأننا نعتقد أنه قواه العقلية بدأت تتحسن و تعي و تستوعب ،
كونه يحكي و يتحدث كالعقلاء إلا أنه في الواقع كان يتقمص شخصية رآها أو تحدث إليها، و في المرة القادمة تظهر عليه علامات التعجب عندما نسأله فيها عما قاله في المرة السابقة، و نضحك على أنفسنا: كيف نصدق مجنوناً و نعتقد أنه بدأ يعود إليه عقله؟!
ثم لاحظوا أن العاقل أصبح يُنعت بالجنون إذا قام بفعل شيء يصادم ما اعتاد العقل على استيعابه، حتى لو كان عاقلاً و نحن نعلم أنه عاقل !
ربما من باب التقليل من شأنه لأننا نعتقد أنه لا يجب أن يقوم بتلك الأفعال أو ربما لأننا نجد كلمة " مجنون " مترجماً مناسباً لمشاعر التعجب التي تنتابنا عند رؤيتنا لأشياء مختلفة عن تلك التي اعتدنا رؤيتها أو سماعها.
إننا حكمنا على عاقل فعل شيئاً مغايراً بالجنون لمجرد أننا عجزنا عن احتواء ما يقصده من وراء ذلك التصرف ...
نعرف – علمياً - أن الجنون هو غياب العقل، لكن ماذا لو اختار العاقل أن يذهب إلى ما لا يستوعبه العقل أحياناً، هل يصبح مجنوناً؟